يبدأ كل شيء بالتسجيل في الفيسبوك .
تسجيل أشبه إلى حد ما بعملية إدخال بيانات طفل حديث الولادة في السجلات المدنية, غير أن مواطن الفيسبوك قد يفضل أحياناً تسجيل بياناتٍ وهمية لا تحيل إلى شخصه الواقعي, ومن هنا تبدأ أولى إشارات الإزدواجية, والقلق في الشخصية الجديدة لهذا الـمواطن؛ لأن الذي يفضل التسجيل ببيانات وهمية يعاني من مشكلٍة ما بالضرورة, فإما أنه لا يشعر بالأمان داخل العالم الإفتراضي كَـكُلٍ, ويفضل البقاء متخفياً خلف بعض المعلومات الكاذبة, وقد ينتهي به المطاف إلى تصديقها ,أو أنه يشعر بالنقص, ويحاول أن يملأه بإدعاءات كاذبة بخصوص الـعمر,أوالمهنة, أومكان الإقامة, أو حتى نوع الجنس.
يمكن القول إذن أن الإنسان لا يلجأ إلى المجتمعات الإفتراضية قصد الترفيه فقط, بل أن البعض يجد فيها دواءً لآلامه ومعاناته في العالم الحقيقي. هي إذن عوالمُ كاملةٌ, أو يوتوبيات لا مآسي فيها ولا أحزان.
ما الذي يخطر ببالك ؟
يلاحظ المواطن الفيسبوكي الجديد بعد إضافة الأصدقاء أن هناك محتويات يتم تبادلها عن طريق " المشاركة" عبر الصفحات فالبعض ينشر كلمات أو أشرطة فيديو, والبعض الآخر يختار نشر الصور أو كل ما يمكن عرضه.
يساعد الموقع منذ البداية على تسجيل الإعجاب بالصفحات المثيرة للإهتمام, وعلى اقتراح صداقات جديدة, فضلاً عن إمكانية النشر, وأقصد بها تلك العبارة بداخل مربع الكتابة : " ما الذي يخطر ببالك ؟ " والتي تنبه المستخدم لأول مرة على أنه بإمكانه نشر أي شيء يخطر بباله, وهذه العبارة لها تأثير سيكولوجي (نفسي) كبير على المستخدم في هذه المرحلة, مع الأخذ بعين الاعتبار تلك المشكلات التي ذكرناها سابقا, بالإضافة إلى عدم وجود أشخاص يثق بهم في الواقع ليخبرهم بما يشعر به, وما يطمح إليه, فإن الموقع قد أحسنَ استعمال هذه الورقة الرابحة وبسهولة يكسب الموقع ثقة المستخدم, من ثم يبدأ بتدوين " ما يخطر ببالـه ".
يأتي دور الأصدقاء, والذين يملكون إمكانية التعليق على كتاباته, أو تسجيل الإعجاب بـها, مثلاً مع أول تسجيل "إعجاب" يحظى به المستخدم, يتحرك شيء ما بداخله يخبره بأنه حقق إنجازاً ما
فتزداد ثقته بالموقع, وبأصدقاء الموقع, الذين قد يساعدونه بإضافات أو نصائح عبر التعليق.
مع مرور الوقــت يبدأ بمشاركتهم كل شيء, ولا يبقى هناك معنى لشيء يدعى " سر " الذي كان في السابق يخشى أن يطلع عليه الآخرون, خوفاً من رفضهم له, وعدم تجاوبهم, أو صدمةٍ قد يسببونها له بـلامبالاتهم.
وراء كل مفكر عظيمٍ .. حسابُ فيسبوك!
يتطور الأمر بالمواطن الفيسبوكي المثقف ليصبح متمرساً على الكتابة والنشر في " حائطه ", ويزداد الإعجاب والتعليقات بزيادة عدد الأصدقاء المهتمين, وهنا يتشكل مجتمعه الخاص الذي قد يسلبه وقته كله, ويحرمه من كل أشكال التواصل مع العالم الخارجي, لأنه ببساطةٍ قد وجد الكائنات المثالية التي تفهمه وتثق به وتعجب بما يكتبه. مع تطور مستوى الكتابة يصبح كل مواطن فيسبوكي بمثابة مدير جريدة أو مجلة هي " حائطه ", أو حتى صفحته - إن كان يملك واحدة – فيبدأ في صناعة أيديولوجيا ( تيار فكري ) خاص به, يبنيه بنقده لأقوال الآخرين و تركيبه لمواقفهم عن طريق التعليقات التي تتحول إلى تدوينات جديدة, ما يشكل بالنسبة له مرحلة وعيٍ جديد, وعي بالعالم و بالذات.
من هنا يمكن القول إن الفيسبوك كمجتمع آلـي ( سيـبرنطيقي كما يعبر عنه في علم الإجتماع الآلي ) بدأ يبني شخصيات جديدة بداخل الشخصيات الواقعية, ويساعد المستخدمين على نشر الأفكار بسهولة و التواصل مع الجميع, مفكرين أو إعلاميين وكتاب وفنانين, عبر صفحاتهم الخاصة.
بداية المشاكل ..
كأي شيء آخر, حينما يـصبح المواطن الفيسبوكي متعلقاً جدا بالفيسبوك, فإنه ينتقل مباشرة إلى حالة الإدمان, بمعنى أن الدخول إلى هذا العالم الإفتراضي يصبح بالنسبة له ضرورة مُلحةً في كل لحظة, وخصوصاً أن الإنسان بطبعه يفكر في كل لحظة في شيء ما, وتخطر بباله أشياء كثيرة, فيأتي تأثير تلك العبارة على علبة الكتابة " ما الذي يخطر ببالك ؟ ", فيـشعر المواطن الفيسبوكي أنه من الضروري أن يقوم بـمشاركة ما يفكر به مع الآخرين .
قامت دراسات في علم النفس, مؤخراً, بدراسة التأثير النفسي للزر " أعجبني " الذي نضغط عليه على الأقل مرة في اليوم, وبما أنه سبق وذكرنا الجانب الإيجابي منه, فإنه الآن قد ينعكس على المستخدم سـلباً, لأنه لابد أن يفقد الأصدقاء يوماً الرغبة في تسجيل الإعجاب بما ينشره, نظراً لضيق الوقت مثلاً, أو لأن عدد الأصدقاء - الذي قد يصل في غالب الأحياة إلى الألفِ أو ما يزيد – كبيرٌ جدا ولا يسمح الوقت للآخرين بتسجيل الإعجاب أو التعليق على كل ما ينشر, في تلك اللحظة يشعر المواطن الفيسبوكي أنه بدأ ينشر أشياء لا تثير الإعجاب, وقد يفقد ضعيف الشخصية الثقة بنفسه, ويضيع بين هويته الإفتراضية وهويته الواقعية, ثم يتحول ذلك العالم المثالي الذي كان يهرب إليه من جنةٍ إلى جحيمٍ يريد الهروب منه بلا فائدة.
بقدر ما هناك من الكائنات الفيسبوكية التي تولد كل يوم بالآلاف, هناك من الكائنات التي تعاني الإدمان بسبب هذه العوالم الإفتراضية عامةً.
ما الحل ؟
يبدو أنه علينا البحث عن حلول لهذا الإدمان الجديد الذي أصبح يعاني منه أغلب مستخدمي الفيسبوك, فبرغم أن أهميته تفوق الوصف, غير أنه " لا شيء بالمجان ", وينتهي الأمر بدفع ثمن الإستفادة منه بطرق مختلفة, حتى أن البعض يلجأ للعلاج النفسي بالضرورة ليساعده على هجران العالم الإفتراضي, و استرجاع شخصيته الواقعية؛ لأنه تأكد أن شخصيته الوهمية لن تفيده أكثر مما ستضره.
من الواجب, قبل الوقوع في حالة الإدمان, تحديد وقت معين لدخول العوالم الإفتراضية, وعدم اعتبارها ذلك البديل الكامل عن الواقع المؤلم, لأنها هي أيضاً مؤلمة لمن يشتد تعلقه بها, مثلاً حين ينقطع الكهرباء وهو غارق في بحورها, فيصاب بنكسةٍ و فقدان الرغبة في العودة إلى الواقع.
يأتي دور الأصدقاء, والذين يملكون إمكانية التعليق على كتاباته, أو تسجيل الإعجاب بـها, مثلاً مع أول تسجيل "إعجاب" يحظى به المستخدم, يتحرك شيء ما بداخله يخبره بأنه حقق إنجازاً ما
فتزداد ثقته بالموقع, وبأصدقاء الموقع, الذين قد يساعدونه بإضافات أو نصائح عبر التعليق.
مع مرور الوقــت يبدأ بمشاركتهم كل شيء, ولا يبقى هناك معنى لشيء يدعى " سر " الذي كان في السابق يخشى أن يطلع عليه الآخرون, خوفاً من رفضهم له, وعدم تجاوبهم, أو صدمةٍ قد يسببونها له بـلامبالاتهم.
وراء كل مفكر عظيمٍ .. حسابُ فيسبوك!
يتطور الأمر بالمواطن الفيسبوكي المثقف ليصبح متمرساً على الكتابة والنشر في " حائطه ", ويزداد الإعجاب والتعليقات بزيادة عدد الأصدقاء المهتمين, وهنا يتشكل مجتمعه الخاص الذي قد يسلبه وقته كله, ويحرمه من كل أشكال التواصل مع العالم الخارجي, لأنه ببساطةٍ قد وجد الكائنات المثالية التي تفهمه وتثق به وتعجب بما يكتبه. مع تطور مستوى الكتابة يصبح كل مواطن فيسبوكي بمثابة مدير جريدة أو مجلة هي " حائطه ", أو حتى صفحته - إن كان يملك واحدة – فيبدأ في صناعة أيديولوجيا ( تيار فكري ) خاص به, يبنيه بنقده لأقوال الآخرين و تركيبه لمواقفهم عن طريق التعليقات التي تتحول إلى تدوينات جديدة, ما يشكل بالنسبة له مرحلة وعيٍ جديد, وعي بالعالم و بالذات.
من هنا يمكن القول إن الفيسبوك كمجتمع آلـي ( سيـبرنطيقي كما يعبر عنه في علم الإجتماع الآلي ) بدأ يبني شخصيات جديدة بداخل الشخصيات الواقعية, ويساعد المستخدمين على نشر الأفكار بسهولة و التواصل مع الجميع, مفكرين أو إعلاميين وكتاب وفنانين, عبر صفحاتهم الخاصة.
بداية المشاكل ..
كأي شيء آخر, حينما يـصبح المواطن الفيسبوكي متعلقاً جدا بالفيسبوك, فإنه ينتقل مباشرة إلى حالة الإدمان, بمعنى أن الدخول إلى هذا العالم الإفتراضي يصبح بالنسبة له ضرورة مُلحةً في كل لحظة, وخصوصاً أن الإنسان بطبعه يفكر في كل لحظة في شيء ما, وتخطر بباله أشياء كثيرة, فيأتي تأثير تلك العبارة على علبة الكتابة " ما الذي يخطر ببالك ؟ ", فيـشعر المواطن الفيسبوكي أنه من الضروري أن يقوم بـمشاركة ما يفكر به مع الآخرين .
قامت دراسات في علم النفس, مؤخراً, بدراسة التأثير النفسي للزر " أعجبني " الذي نضغط عليه على الأقل مرة في اليوم, وبما أنه سبق وذكرنا الجانب الإيجابي منه, فإنه الآن قد ينعكس على المستخدم سـلباً, لأنه لابد أن يفقد الأصدقاء يوماً الرغبة في تسجيل الإعجاب بما ينشره, نظراً لضيق الوقت مثلاً, أو لأن عدد الأصدقاء - الذي قد يصل في غالب الأحياة إلى الألفِ أو ما يزيد – كبيرٌ جدا ولا يسمح الوقت للآخرين بتسجيل الإعجاب أو التعليق على كل ما ينشر, في تلك اللحظة يشعر المواطن الفيسبوكي أنه بدأ ينشر أشياء لا تثير الإعجاب, وقد يفقد ضعيف الشخصية الثقة بنفسه, ويضيع بين هويته الإفتراضية وهويته الواقعية, ثم يتحول ذلك العالم المثالي الذي كان يهرب إليه من جنةٍ إلى جحيمٍ يريد الهروب منه بلا فائدة.
بقدر ما هناك من الكائنات الفيسبوكية التي تولد كل يوم بالآلاف, هناك من الكائنات التي تعاني الإدمان بسبب هذه العوالم الإفتراضية عامةً.
ما الحل ؟
يبدو أنه علينا البحث عن حلول لهذا الإدمان الجديد الذي أصبح يعاني منه أغلب مستخدمي الفيسبوك, فبرغم أن أهميته تفوق الوصف, غير أنه " لا شيء بالمجان ", وينتهي الأمر بدفع ثمن الإستفادة منه بطرق مختلفة, حتى أن البعض يلجأ للعلاج النفسي بالضرورة ليساعده على هجران العالم الإفتراضي, و استرجاع شخصيته الواقعية؛ لأنه تأكد أن شخصيته الوهمية لن تفيده أكثر مما ستضره.
من الواجب, قبل الوقوع في حالة الإدمان, تحديد وقت معين لدخول العوالم الإفتراضية, وعدم اعتبارها ذلك البديل الكامل عن الواقع المؤلم, لأنها هي أيضاً مؤلمة لمن يشتد تعلقه بها, مثلاً حين ينقطع الكهرباء وهو غارق في بحورها, فيصاب بنكسةٍ و فقدان الرغبة في العودة إلى الواقع.
إيمان ملال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق