يعتبر فصل الصيف واحداً من أجمل فصول السنة، فمع حلوله تتجدد الأفراح تارة ًوالأتراح تارة آخرى ، فصل الصيف مناسبة كذلك (لتدوار الحركة) بعد الركود والجمود الإقتصادي الذي تشهده جل القطاعات الإنتاجية طوال شهور السنة العجاف .
ومما لاشك فيه أن هذا الفصل هو مناسبة يُعانق فيها أفراد الجالية المغربية أرض الوطن، فما أن تنطلق عملية مرحبا حتى ترى بأم العين منظر (الفاكانس) وهم يتجولون في شوارع المملكة بسياراتهم المكشوفة التي تكون في أغلب الأحيان (غير مكرية) وكذا ( سيكانهم ) المعلقة التي تعتبر ماركة مسجلة لذى هذه الفئة من (أبناء الوطن) ، حتى تتأكد أن الصيف قد بدأ .
وكلاٌ و(نَيتوا) فمنهم من يآتي لِيصل الرحم مع أهله وأحبابه، ومنهم من يشتغل طوال العام بديار المهجر في مهن (كان يستحيي من مزاولتها في بلاده) ويأتي في آخر السنة للتباهي والتعالي على أبناء بلده بتلك السيارات التي قلنا سالفا أنها تكون مستآجرة ولاداعي لذكر تلك المهن حتى لا ننغص على ( الباكونس) عطلتهم ونذكرهم بما ينتظرهم بعد إنقضاء (سبعيام د الباكور) ، ومن هؤلاء من أوجعته ( قرصة) الأزمة الإقتصادية العالمية ولم يجد أمامه سوى التنقيب عن كل ما خف وزنه وثقل ثمنه في منجم إسمه ( مزبلة القارة العجوز) التي تُعد مورد رزق لبعض أفراد جاليتنا الذين يرتادونها (باش إشارجيو سطافيطاتهوم) كلما آقترب موعد الهجرة العكسية إلى الجنوب، فتتحول تلك الخردة إلى سلع قابلة للبيع في السوق المغربية وبثمنها يسددون كراء منازلهم بدول الإقامة وما خفي كان أعظم .
فيما البعض الآخر يحلو له المشي ( زبط ) وسط الشوارع والمنتزهات العمومية دون أن ينتبه لخصوصيات المجتمع المغربي وكأنه يخال نفسه في (شيكاكو ماشي مروكو) دون أن ننسى الموسيقى الصاخبة التي تنبعث من (قزديراتهم) والناس نيام .. كما أن البعض يحلوا له تحويل شوارع وطرقات المملكة إلى حلبات لسباق السيارات والراليات معرضين حياة العباد للخطر وكما يعرف الجميع فإن ما يدفعهم للقيام بذلك أنهم عندما يكونون في دول المهجر يقيدون بالقوانين الصارمة للسير(وبززعليهوم يطبقون القانون) وعندما يعودون إلى أرض الوطن يشعرون بأن قوانين البلاد لاتعنيهم وأنهم فوق القانون ويتحول (المروك) من العباد بالنسبة إليهم إلى مجرد (بخوش) ، إنها حصانة عائدات العملة الصعبة . (؟؟)
وإذا كان لكل فصل ما يميزه فإن لفصل الصيف ميزة ينفرد بها كونه الفصل المفضل لدى غالبية الأسر المغربية التي تفضل إقامة حفلات زفافها في مثل هذه الأوقات من كل سنة ، فما أن تبدأ العطلة الصيفية حتى تبدأ الترتيبات لإقامة ليلة العمر التي لاتتجدد إلى مرة واحدة (ربما) .
والجديد في الأمر أن الموضة والعولمة طالت حتى حفلات الزفاف ، فشتانى بين أعراس الفترة التي ليست بالبعيدة وأعراس اليوم التي كثرت وأصبحت (بحال ماطيشة) فلا نكاد نسمع أن فلان زف إبنته اليوم حتى تعترضنا (زغاريد) عرس آخر في الحي المجاور و(كلا كسونات) طوابير السيارات التي أصبحت من الأمور الجديدة والدخيلة على عادات وتقاليد أعراسنا وأصبحت هذه العادة المستوردة شيء حتميا لابد منه.
لقد أضحت هذه الأعراس إذن ظاهرة فريدة من نوعها ظهرت معها أنماط وطرق جديدة في الإحتفال ولدت على أنقاض العادات والتقاليد التي كانت سائدة في أعراس آبائنا وأجدادنا ، ولم تجد الأسر المعاصرة وأمام المتغيرات الحديثة وعجلة الزمان المتسارعة بُداَ من الإنصهار والخضوع لمتطلبات العصر ومن بين أهم الأشياء التي لم يعد لها آثر في أعراسنا الصيفية هو الإقتصارعلى يوم واحد أو يومين على أبعد تقدير بدل السبعة أيام التي كانت تجرى فيها مراسيم العرس أيام (الخير والخمير) ، كما آختفت الزفة التقليدية أمام ظهور وسائل النقل الحديثة فمن منا لايتذكرموكب (الهدية ) الذي كان معظم شباب وأطفال الدرب يتبعونه ويتفننون في (الشطيح والرديح ) أمام (الكروسة).
وإذا كانت أعراس الزمان الغابر تقام فوق السطوح وفي الخيام وفي منازل الجيران لكون العرس يحضره العديد من المدعوين من أهل العروسين والجيران وغير المدعوين من ( عابري السبيل ) ، فإن الأعراس التي نعاينها حاليا تجري مراسيمها في قاعات للأفراح و صالات فخمة مخصصة لمثل هذه المناسبات والتي يجني من ورائها أصحابها أموالا لابأس بها وأصبحت تجارة مربحة خصوصا في فصل الصيف هذا وقد تحولت هذه التجارة إلى (بيزنيس) يشهد آزدهرا كبيرا بالمغرب ،وهو ما دفع بشركات أجنبية وخاصة الفرنسية إلى ولوج السوق المغربية التي تعِد بالشيء الكثير في هذا المجال ومن بين أشهرها شركة " لا نوتر". وفي الخميسات مثلا توجد صالات من هذا النوع رغم أنها لاتتعدى أصابع اليد الواحدة مثل قاعة الأفراح التابعة لفندق "الديوري" وصالة "الميلودي" .
هذا دون أن ننسى الشركات أو المقاولات التي تتخصص في تجهيز وتموين كل متطلبات العرس من (سرباية ونكافة وجوق ومنصات) وتصوير وأكل وشرب ونذكر منها " أفراح الخميسات" و " أفراح الدريسية " .
والمثير للإنتباه والإستغراب أنه في نهاية كل أسبوع، تقام بالمغرب أعراس بميزانيات كبيرة سمينة ، الظاهرة الجديدة لهذه الأعراس المسرفة في الإنفاق إلى حد يقف معه العقل البشري عاجزا وهو يرى هذا البدخ والثراء الفاحش وهو بالكاد يكمل الشهر بما تيسر، فيما يؤكد العارفون بخبايا هذه الأعراس (المهرجانات) أن الشكليات هي السمة الغالبة في أعراس العائلات (اللي لاباس عليها) والتي باتت تهدرالأموال من أجل التباهي أمام أعضاء ومنخرطي نادي ( الهاي كلاص) وأصبحت تلك الشكليات تحظى بالقسط الأوفر من اهتمام الأسر المغربية
وإذا كانت أعراس الطبقة (البورشوازية) تتسم بالإنفاق دون إعارة الإهنمام لما تعانيه الطبفة الكادحة من بؤس وزلط. فإن أعراس طبقتنا ( الحازقة) تتسم وتتميز بتحولها إلى قبلة للسكارى والشمكارة فما أن (يسخن الطرح) وتمتزج الأجساد في (الشطحة الأخيرة) وتتعالى الحناجر بالصيحات تحت أنغام الكمانجة و( الجرة) في هذه اللحظة يعطى الضوء الأخضر لأصحاب ( العباسية) الذين ما أن ( يتكيفوا) مع أجواء العرس الساهر- إضافة إلى تهيجهم بكلمات أغاني الشعبي التي تدعوا في بعض مقاطعها إلى السكر والعربدة - حتى يبدؤا في تكسير كل ما تقع عليه أيديهم ويحولوا الحفل إلى ساحة للوغى والعراك وتتحول أنظار الحضور من متابعة العروس وحاشيتها إلى متابعة السكارى وحركاتهم القتالية (اللي كاتخري بضحك).
وعندما تضع الأعراس أوزارها وما أن يحل الصباح حتى تبدأ ألسنة النساء ممن كن حاضرات في العرس منتقدات كل شيء وحتى وإن دار العرس في أبها حلة ( كيردوه باس) ( فالمرقة مسوسة والدجاج كاع ما طاب مزيان والبرقوق خضر....) وغيرها من الإدعائات التي يشوهن بها صورة العرس وأصحابه ( راكوم عارفين ).
والأعراس كذلك فرصة لاتعوض للفتيات غير المتزوجات فما أن تشتم أو تسمع إحداهن عن عرس حتى ( تتأنتك) وتُحضر نفسها للمهرجان أو بالأحرى معرض يمكن أن يجعل منها عروسا فوق العادة ومنهن من تَحضر تلك الأعراس محملة بكل تَرسَانتِها من الماكياج وأسطولها من( التكاشط ) وكأنها ذاهبت لمعرض حربي ، طبعا فهذه فرصة لاتعوض وقد ( تحضر فيها شي باكانسي ... حازق.)
وبالعودة إلى أعراس الطبقة التي تحرك خيوط هذه البلاد لابد أن نشير إلى ما أصبحت تعرفه أعراسهم من جديد وللأمانة الصحفية فحفلات زفاف أبنائهم ( ولات ) تضاهي وتقارع كبريات المهرجانات في المغرب فالميزانيات التي تصرف على مهرجان " موازين " مثلا لاتساوي حتى النصف من تلك الميزانيات التي يصرفها وصرفها مثلا " أنس الصفريوي" صاحب مجموعة ( الدوخة) عفوا " الضحى " العقارية الذي زف إبنته في عاصمة النخيل مراكش في حفل زفاف أسطوري. والذي أقيم في أحد قصور مراكش بديكور ومواصفات أوربية بالغة في البذخ. العرس نشطه ألمع الفنانين المغاربة، كعبد الهادي بلخياط والحاجة الحمداوية، إلى جانب المغنية اللبنانية نانسي عجرم، والتي تقاضت مبلغا ماليا فاق 80 مليون سنتيم من أجل إحياء زفاف كريمة الصفريوي ( واش ماشي لحماق هذا الناس كنموت بالجوع ونانسي عكرب كتغني جوج سوايع وتاحد زبابل د لفلوس ) . وحتى نقف على حجم الأموال التي صرفت في هذا الزفاف فإن (مول الضحى) لم يعتمد على ممون من داخل البلاد بل فضل جلب فرقة تابعة لشركة خاصة من الخارج أتعرفون لماذا لأن الحفل الذي كانت فيه المغنية نانسي عجرم نجمة الحفل، حضره ثلة وعدد من المسؤولين الحكوميين كالوزير الأول السابق إدريس جطو، إضافة إلى مجموعة من رجال المال والأعمال. هذا دون الحديث عن الأكل الذي لم أسمع عنه أبدا ولم أره حتى في التلفاز ( ومحال ندوقو شي مرة ).
ولنتحول الآن للحديث عن أعراس المشاهير والنجوم المغاربة والأمر هنا يتعلق بالفنان الكوميدي جمال الدبوز الذي شد إليه الانتباه من خلال الحفل الأسطوري الذي أقامه بدوره في مراكش. الدبوز عقد قرانه على نجمة الشاشة الفرنسية " ميليسا توريو" ، واحتفلا بزفافهما على الطريقة الإسلامية وفق التقاليد المغربية في مدينة مراكش، بعد عقد قرانهما على الطريقة المسيحية في فرنسا. وامتدت حفلة الزفاف ثلاثة أيام حسب التقاليد المغربية، بصحبة 300 مدعو من الأصدقاء والأقارب، على أنغام فرقة «جيبسي كينغ» الإسبانية ومغني الراي الجزائري الشاب خالد، وحضر حفل الزفاف عدد من مشاهير عالم الفن والمال والأعمال والسياسة والرياضة. واتفق العروسان على الاحتفال بالزفاف وفقا لمعتقديهما الدينيين، ففي فرنسا عقد القِران على الطريقة المسيحية ، وتليت خلاله مقتطفات من الإنجيل وآيات من القرآن الكريم لمدة 45 دقيقة، حيث خصص الاحتفال لعائلة الزوجة الفرنسية، وتوجت الحفلة بإطلاق الألعاب النارية. وطلب الدبوز من مدعويه الثلاثمائة حمل جوازات سفرهم، ليستقلوا الطائرة الخاصة التي استأجرها لنقلهم إلى مراكش لحضور مراسيم الزواج على الطريقة الإسلامية بصحبة عائلته في المغرب ( وشوف الدبوز حتى هو...هذا غير عرس أما السبوع يعلم الله كيف غادي يكون..)
إذن فالأعراس المغربية (ولات غير بروتوكول) وأضحت قبلة للفنانين اللبنانيين والأجانب هذه آخر صيحة في أعراس البورجوازية المغربية كل شيء من الخارج الفنانون والممونون وربما حتى النكافة ( وشكون شاف ) وأظن والله أعلم إن آستمر الوضع على ما عليه ( محال واش نتزوج) الحاصول ( الله ينعل بو الزلط ..).
يوسف المتمرد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق