لا تزيُّدَ في وصفِ مشروعِ الدستورِ الجديد في المغرب بأَنَّه تقدُّمٌ إِصلاحيٌّ سياسيٌّ وثقافيٌّ كبيرٌ. وإِذ جاءَ في سياقِ حراكٍ احتجاجيٍّ واسع، ورفعِ الشعب المغربي سقوفَه المطلبيَّةَ باتجاه الديمقراطيَّةِ الحقَّة، وإِذ أَنَّ شحنةَ دفعٍ له زوَّدَه بها إِيقاعُ الربيعِ العربي الجاري، فذلك لا يغفل عن أَنَّ هذا الإِصلاح الدستوري، العميق جداً، محطةٌ كُبرى في مسارٍ طويلٍ من نضالِ المغاربة، قوىً وأَحزاباً وتشكيلاتٍ سياسيةً متنوعةً وتجمعاتٍ حقوقيةً وثقافية، من أَجل أن يتقدَّم بلدُهم في رهانِه للوصولِ إلى طورٍ من الحداثةِ الديمقراطيَّة، تتحقَّق فيه أَرقى صيغِها التي تُؤَمِّن ممارسةً مُثلى في العلاقةِ بين السلطةِ بمختلفِ مكوناتِها والشعبِ بجميعِ تنويعاتِه. وإِذا كان همسُ المغاربةِ في سبعينياتِ القرن الماضي بشأْنِ ملكيةٍ دستوريةٍ أَو برلمانيةٍ، أَو ملكيةٍ تسودُ ولا تحكُم، كان يودي بأَصحابِه إِلى السجن، فإِنَّ حديثَهم في هذه الشؤون باتَ أَثيراً في المقاهي، إِلى حدٍّ جعلَ صديقاً مغربياً يكتبُ أَن مواطنيه صاروا فقهاءَ في القانون الدستوري، يُدردِشون في تنظيم السلطاتِ ووظائِفِها، كما مشاهدي مباراةِ كرةِ القدم الذين يُوزّعون نقاط الصح والغلط للاعبين.
نقطةُ التحوّلِ الجوهريةِ في مشروع الدستور الجديد، والذي يستفتي عليه المغاربة الأسبوع المقبل، هي في تقليل صلاحياتِ الملك، وتوسيعِ اختصاصاتِ رئيس الوزراء والبرلمان والسلطة القضائية. وفي هذا الأمر، تتقوَّى دعائم الملكية في النظام السياسي، وتَتعزَّز في مكانةٍ سامية، وهي التي تحوزُ أَصلاً شرعيةً تاريخيةً عتيدة. وإِلى هذا الأَمر، فإِنَّ السلطةَ القيادية والحامية للبلد تبقى مع الملك، بما يُمثلُه من مرجعيةٍ رمزيةٍ ووسيطةٍ في المنظومةِ السياسية. ومن المهم التأْشيرُ إِلى أَنَّ هذا التطور النوعيَّ سبقتْه في الدساتير السابقة، وآخرها 1996، تعديلاتٌ جزئيةٌ ظلت مهمةً في المسارِ المتدرِّجِ إِلى اللحظة الراهنة، وهو مسارٌ انخرطت في النقاشِ الواسعِ في غضونِه كلُّ تكويناتِ الحقلِ السياسيِّ المغربي، ومعها التشكيلاتُ الحقوقيةُ التي يُدهِشُك المغربُ عموماً في تعدُّدِها وكثرتِها. ويمكن تأْريخُ بدءِ هذا المسار مع تجربةِ التناوبِ الديمقراطيِّ التي أَوصلت زعيمَ «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» عبد الرحمن اليوسفي إِلى رئاسة الحكومة في 1998. وفي الأَثناء، كانت التجربةُ الاستثنائيةُ بحق، والتي لم تعرفْها دولةٌ عربية، وهي الإِنصاف والمصالحة مع ضحايا قمع سنواتِ الرصاص، وتعويضُهم، وإِدلاءِ كثيرين بشهاداتهم عن العسف القاسي الذي تعرَّضوا له أَمام الهيئةِ، وأَمام مشاهدي ومستمعي التلفزةِ والإِذاعةِ المحليتين.
كانت تلك من محطاتِ الانعطافِ الحقوقيِّ والسياسيِّ الكبير الذي يعبرُ إِليه المغرب، منذ أَواخر سنواتِ عهد الحسن الثاني، ويتواصل بهمةٍ محمودةٍ في عهد محمد السادس. وإِذْ نُعاين، ولو على مبعدةٍ قصيَّةٍ، ما تُبادِرُ إِليه «حركة 20 فبراير» الشبابيةُ المستجدّةُ من مظاهرَ احتجاجيةٍ، صاخبةٍ أَحياناً، ضد مشروع الدستور باعتبارِه «لا يستجيبُ لمطلبِ فصلِ السلطات»، وضدَّ توجهاتٍ ملكيةٍ وحكوميةٍ أُخرى، وتلحُّ على محاربةِ الفسادِ ومحاسبةِ الفاسدين، فإِنَّنا يحسنُ أَنْ ننظرَ إِلى هذه الحالةِ الحركيةِ باعتبارِها تنويعاً شبابياً جاءَ تعبيراً عن تطلعِ أَجيالٍ مغربيةٍ جديدةٍ إِلى أَقصى ما يمكنُ من التغيير. ... لنقرأْ تفاصيلَ المغربِ الجديد، والإِستثنائيِّ عربياً، ومحطاتِه، ولا نَغفلْ عن بديهيَّةِ أَنَّ كلَّ منجزٍ هناك موصولٌ بكفاحٍ سياسيٍّ وديمقراطيٍّ غيرِ قصير، خاضَهُ مغاربةٌ نظيفون، وضحّوا وتحملوا الكثير، يظلُّ أَملُهم الدائمُ أَنْ تتحقَّقَ في بلدِهم كلُّ أَشواقِهم إِلى الديمقراطيَّةِ الحقّة.
نقطةُ التحوّلِ الجوهريةِ في مشروع الدستور الجديد، والذي يستفتي عليه المغاربة الأسبوع المقبل، هي في تقليل صلاحياتِ الملك، وتوسيعِ اختصاصاتِ رئيس الوزراء والبرلمان والسلطة القضائية. وفي هذا الأمر، تتقوَّى دعائم الملكية في النظام السياسي، وتَتعزَّز في مكانةٍ سامية، وهي التي تحوزُ أَصلاً شرعيةً تاريخيةً عتيدة. وإِلى هذا الأَمر، فإِنَّ السلطةَ القيادية والحامية للبلد تبقى مع الملك، بما يُمثلُه من مرجعيةٍ رمزيةٍ ووسيطةٍ في المنظومةِ السياسية. ومن المهم التأْشيرُ إِلى أَنَّ هذا التطور النوعيَّ سبقتْه في الدساتير السابقة، وآخرها 1996، تعديلاتٌ جزئيةٌ ظلت مهمةً في المسارِ المتدرِّجِ إِلى اللحظة الراهنة، وهو مسارٌ انخرطت في النقاشِ الواسعِ في غضونِه كلُّ تكويناتِ الحقلِ السياسيِّ المغربي، ومعها التشكيلاتُ الحقوقيةُ التي يُدهِشُك المغربُ عموماً في تعدُّدِها وكثرتِها. ويمكن تأْريخُ بدءِ هذا المسار مع تجربةِ التناوبِ الديمقراطيِّ التي أَوصلت زعيمَ «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» عبد الرحمن اليوسفي إِلى رئاسة الحكومة في 1998. وفي الأَثناء، كانت التجربةُ الاستثنائيةُ بحق، والتي لم تعرفْها دولةٌ عربية، وهي الإِنصاف والمصالحة مع ضحايا قمع سنواتِ الرصاص، وتعويضُهم، وإِدلاءِ كثيرين بشهاداتهم عن العسف القاسي الذي تعرَّضوا له أَمام الهيئةِ، وأَمام مشاهدي ومستمعي التلفزةِ والإِذاعةِ المحليتين.
كانت تلك من محطاتِ الانعطافِ الحقوقيِّ والسياسيِّ الكبير الذي يعبرُ إِليه المغرب، منذ أَواخر سنواتِ عهد الحسن الثاني، ويتواصل بهمةٍ محمودةٍ في عهد محمد السادس. وإِذْ نُعاين، ولو على مبعدةٍ قصيَّةٍ، ما تُبادِرُ إِليه «حركة 20 فبراير» الشبابيةُ المستجدّةُ من مظاهرَ احتجاجيةٍ، صاخبةٍ أَحياناً، ضد مشروع الدستور باعتبارِه «لا يستجيبُ لمطلبِ فصلِ السلطات»، وضدَّ توجهاتٍ ملكيةٍ وحكوميةٍ أُخرى، وتلحُّ على محاربةِ الفسادِ ومحاسبةِ الفاسدين، فإِنَّنا يحسنُ أَنْ ننظرَ إِلى هذه الحالةِ الحركيةِ باعتبارِها تنويعاً شبابياً جاءَ تعبيراً عن تطلعِ أَجيالٍ مغربيةٍ جديدةٍ إِلى أَقصى ما يمكنُ من التغيير. ... لنقرأْ تفاصيلَ المغربِ الجديد، والإِستثنائيِّ عربياً، ومحطاتِه، ولا نَغفلْ عن بديهيَّةِ أَنَّ كلَّ منجزٍ هناك موصولٌ بكفاحٍ سياسيٍّ وديمقراطيٍّ غيرِ قصير، خاضَهُ مغاربةٌ نظيفون، وضحّوا وتحملوا الكثير، يظلُّ أَملُهم الدائمُ أَنْ تتحقَّقَ في بلدِهم كلُّ أَشواقِهم إِلى الديمقراطيَّةِ الحقّة.
*نقلا عن "الدستور" الأردنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق